تابع الاْصحاح الثالث
صفحة 1 من اصل 1
تابع الاْصحاح الثالث
"والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر.
فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع، وتُلقى في النار" [10].
ماذا يقصد بالفأس التي يضرب بها الشجر غير المثمر، أو الشجر الذي يحمل ثمارًا غير جيّدة إلا صليب ربّنا يسوع المسيح الذي يضرب أصل طبيعتنا الفاسدة ليهلك الإنسان القديم، مقيمًا الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه الذي يقدّم ثمر الروح القدس المفرح. إنه يدفن الإنسان العتيق في مياه المعموديّة كما في القبر مع السيد، أو يُلقي به كما في النار ليقدّم لنا خبرة الحياة. لهذا فلا عجب إن كمَّل النبي حديثه بخصوص المعموديّة المسيحيّة، بكونها طريق هدم الإنسان القديم وقيامة الإنسان الجديد، إذ يقول: "أنا أعمّدكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي من هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيعمّدكم بالروح القدس ونار" [11].
يقول القدّيس مار يعقوب السروجي: [المعموديّة هي الكور العظيم الممتلئ نارًا، فيها يُسبك الناس ليصيروا غير أموات.]
يقول القدّيس كبريانوس: [إنها المعموديّة التي فيها يموت الإنسان القديم، ويولد الإنسان الجديد كما يُعلن الرسول مؤكّدًا أنه خلصنا بغسل التجديد.]
يرى القدّيس يوحنا المعمدان أنه غير مستحق أن يحمل حذاء السيّد المسيح، وفي موضع آخر يُعلن أنه غير مستحق أن يحلّ سيور حذائه (يو 1: 27)، ماذا يعني بهذا؟ إن كان كلمة الله غير المُدرَك قد صار كمن يلبس حذاء بتجسّده، إذ صار كواحدٍ منّا يسير بيننا، فإن القدّيس يوحنا يُعلن أنه غير مستحق أن يحمل هذا السرّ الفائق الذي للتجسّد، ولا أن يحلّ أختامه (سيوره) إذ لا يمكن التعبير عنه.
يقول الأب غريغوريوس (الكبير): [من لا يعرف أن الحذاء يُصنع من جلد الحيوانات الميّتة؟! إذ صار الرب متجسّدًا، يظهر بين الناس كمن هو محتذي، إذ لبس لاهوته غطاءً قابلاً للموت لذلك يقول النبي: "على أدوم أطرح نعلي" (مز 60: . لقد أُشير للأمم بأدوم... خلال الجسد صار معروفًا لدى الأمم، كما لو أن اللاهوت قد جاء إلينا بقدم محتذي. لكن لا يمكن للعين البشريّة أن تخترق سرّ التجسّد. فإنه ليس من طريق به يتحقّق إدراك كيف صار الكلمة متجسّدًا، وكيف انتعش الروح العلوي واهب الحياة داخل أحشاء أم، وكيف حُبل بذاك الذي بلا بداية وصار إلى الوجود. إذن فسيور الحذاء إنّما هي أختام السرّ. لم يكن يوحنا مستحقًا أن يحلّ حذاءه إذ كان عاجزًا عن البحث في سرّ تجسّده... إني أعرف أنه وُلد بعدي، لكنّني أعجز عن فهم سرّ هذا المولود. انظر! فإن يوحنا الممتلئ بالروح - روح النبوّة - والمستنير بالمعرفة يُعلن أنه لا يعرف شيئًا بخصوص هذا السر.]
سر نجاح القدّيس يوحنا المعمدان هو تواضعه؛ فبقوله إنه غير مستحق أن يحلّ سيور حذاءه يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم كأنما يقول: [إنه عالٍٍ عليِّ جدًا، ولا استحق أن أُحسب أقل عبد عنده، فإنّ حلّ سيور الحذاء هي أكثر الأعمال وضاعة.]
بعد أن طالبهم بالتوبة العمليّة الحاملة للثمر الروحي، مقدّمًا لهم المعموديّة كسِّر صلب إنسانهم العتيق والتمتّع بالحياة الجديدة، متّحدثًا في تواضع أنه غير مستحق إدراك أسرار الحمل الفائق، أوضح مجيء هذا الحمل كديّان: "الذي رَفْشه في يده، وسينقّي بيْدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تُطفأ" [12].
هكذا يقدّم لهم القدّيس يوحنا المعمدان السيّد المسيح كديّان، فإن كان بلطفه يترك الحنطة مع التبن إنّما إلى حين، وسيأتي الوقت حتمًا ليذَرّي الحصاد، ويفصل القمح إلى المخزن، والتبن إلى النار. الآن يعيش الأبرار مع الأشرار، والمؤمنون مع غير المؤمنين، حتى يأتي يوم الرب العظيم الذي يقوم بنفسه بالتذرية. يمسك رفشه في يده ولا يسلّمه لآخر، فإنه وحده العارف القلوب والقادر أن يفصل الحنطة من التبن بحكمة دون أن يخطئ.
يطمئننا القدّيس أغسطينوس أنه وإن وُجدت الحنطة مختلطة بالتبن هنا، لكن هذا لن يؤذي الحنطة ولا يفقدها إكليلها، فسيأتي الوقت لعزلها عن التبن حيث يحرق التبن في النار: [هذا التبن لا يُهلك من هم حنطة الرب، والذين هم قليلون إن قورنوا بالآخرين، لكنهم هم جمع عظيم. لا يهلك مختارو الله الذين يُجمعون من أقاصي العالم، من أربعة رياح، من أقصى السماء إلى أقصاها (مت 24: 31). ويصرخ المختارون قائلين: "خلِّص يا رب، لأنه قد انقرض التقي، لأنه قد انقطع الأمناء من بني البشر" (مز 12: 1). فيقول لهم الرب: "من يصبر إلى المنتهى (حيث يُقيد الشرّ) فهذا يخلُص" (مت24: 13).]
3. عماد المسيح
"حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه.
ولكن يوحنا منعه قائلاً:
أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ.
فأجاب يسوع وقال له: اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمِّل كل برّ.
حينئذ سمح له.
فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء.
وإذ السماوات قد انفتحت له،
فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتيًا عليه.
وصوت من السماوات، قائلاً:
هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" [13-17].
تحتفل الكنيسة بعيد عماد المسيح بكونه عيد الظهور الإلهي، حيث أعلن الثالوث القدّوس ذاته فيه. فإن كان عند نهر الأردن جاء كثيرون معترفين بخطاياهم، فإنه بدخول السيّد إلى المياه انكشفت حقيقته أنه أحد الثالوث القدّوس. دخل بين الخطاة لينكشف، فندرك أسراره، لا لمجرّد المعرفة العقليّة، وإنما لنختبر عمله الفائق فينا.
يتحدّث القدّيس أغسطينوس عن ظهور الثالوث القدّوس في العماد، قائلاً: [بجوار نهر الأردن ننظر ونتأمّل كما في منظر إلهي موضوع أمامنا. لقد أعلن لنا إلهنا نفسه بكونه الثالوث. جاء يسوع اعتمد بواسطة يوحنا، الرب بواسطة العبد، مثالاً للتواضع. أظهر لنا في تواضع أن المحبّة قد كملت. وعندما قال له يوحنا: "أنا محتاج أن اعتمد منك، وأنت تأتي إليّ. أجاب: اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل برّ" [14-15].
عندما انفتحت السماوات ونزل الروح القدس في شكل حمامة، تبعه صوت من السماء، قائلاً: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" [17]. إذن هنا أمامنا الثالوث متمايزًا، الواحد عن الآخر: الآب في الصوت، الابن في الإنسان، والروح القدس في شكل حمامة. إنهم الله الواحد، ومع ذلك فإن الابن غير الآب، والآب غير الابن، والروح القدس ليس بالآب ولا بالابن. نحن نعلم أن هذا الثالوث الذي لا يُنطق به، يسكن في ذاته، يجدّد الكل، يخلق، يدعو، يدين ويخلّص، هذا الثالوث هو كما نعلم لا يُنطق به وغير منفصل.
نستطيع أن ندرك مدى اهتمام الكنيسة بالمعموديّة من كلمات القدّيس جيروم: [لم يكرز المخلّص نفسه بملكوت السماوات إلاّ بعد تقديسه الأردن بتغطيسه في العماد.]
فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع، وتُلقى في النار" [10].
ماذا يقصد بالفأس التي يضرب بها الشجر غير المثمر، أو الشجر الذي يحمل ثمارًا غير جيّدة إلا صليب ربّنا يسوع المسيح الذي يضرب أصل طبيعتنا الفاسدة ليهلك الإنسان القديم، مقيمًا الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه الذي يقدّم ثمر الروح القدس المفرح. إنه يدفن الإنسان العتيق في مياه المعموديّة كما في القبر مع السيد، أو يُلقي به كما في النار ليقدّم لنا خبرة الحياة. لهذا فلا عجب إن كمَّل النبي حديثه بخصوص المعموديّة المسيحيّة، بكونها طريق هدم الإنسان القديم وقيامة الإنسان الجديد، إذ يقول: "أنا أعمّدكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي من هو أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيعمّدكم بالروح القدس ونار" [11].
يقول القدّيس مار يعقوب السروجي: [المعموديّة هي الكور العظيم الممتلئ نارًا، فيها يُسبك الناس ليصيروا غير أموات.]
يقول القدّيس كبريانوس: [إنها المعموديّة التي فيها يموت الإنسان القديم، ويولد الإنسان الجديد كما يُعلن الرسول مؤكّدًا أنه خلصنا بغسل التجديد.]
يرى القدّيس يوحنا المعمدان أنه غير مستحق أن يحمل حذاء السيّد المسيح، وفي موضع آخر يُعلن أنه غير مستحق أن يحلّ سيور حذائه (يو 1: 27)، ماذا يعني بهذا؟ إن كان كلمة الله غير المُدرَك قد صار كمن يلبس حذاء بتجسّده، إذ صار كواحدٍ منّا يسير بيننا، فإن القدّيس يوحنا يُعلن أنه غير مستحق أن يحمل هذا السرّ الفائق الذي للتجسّد، ولا أن يحلّ أختامه (سيوره) إذ لا يمكن التعبير عنه.
يقول الأب غريغوريوس (الكبير): [من لا يعرف أن الحذاء يُصنع من جلد الحيوانات الميّتة؟! إذ صار الرب متجسّدًا، يظهر بين الناس كمن هو محتذي، إذ لبس لاهوته غطاءً قابلاً للموت لذلك يقول النبي: "على أدوم أطرح نعلي" (مز 60: . لقد أُشير للأمم بأدوم... خلال الجسد صار معروفًا لدى الأمم، كما لو أن اللاهوت قد جاء إلينا بقدم محتذي. لكن لا يمكن للعين البشريّة أن تخترق سرّ التجسّد. فإنه ليس من طريق به يتحقّق إدراك كيف صار الكلمة متجسّدًا، وكيف انتعش الروح العلوي واهب الحياة داخل أحشاء أم، وكيف حُبل بذاك الذي بلا بداية وصار إلى الوجود. إذن فسيور الحذاء إنّما هي أختام السرّ. لم يكن يوحنا مستحقًا أن يحلّ حذاءه إذ كان عاجزًا عن البحث في سرّ تجسّده... إني أعرف أنه وُلد بعدي، لكنّني أعجز عن فهم سرّ هذا المولود. انظر! فإن يوحنا الممتلئ بالروح - روح النبوّة - والمستنير بالمعرفة يُعلن أنه لا يعرف شيئًا بخصوص هذا السر.]
سر نجاح القدّيس يوحنا المعمدان هو تواضعه؛ فبقوله إنه غير مستحق أن يحلّ سيور حذاءه يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم كأنما يقول: [إنه عالٍٍ عليِّ جدًا، ولا استحق أن أُحسب أقل عبد عنده، فإنّ حلّ سيور الحذاء هي أكثر الأعمال وضاعة.]
بعد أن طالبهم بالتوبة العمليّة الحاملة للثمر الروحي، مقدّمًا لهم المعموديّة كسِّر صلب إنسانهم العتيق والتمتّع بالحياة الجديدة، متّحدثًا في تواضع أنه غير مستحق إدراك أسرار الحمل الفائق، أوضح مجيء هذا الحمل كديّان: "الذي رَفْشه في يده، وسينقّي بيْدره، ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تُطفأ" [12].
هكذا يقدّم لهم القدّيس يوحنا المعمدان السيّد المسيح كديّان، فإن كان بلطفه يترك الحنطة مع التبن إنّما إلى حين، وسيأتي الوقت حتمًا ليذَرّي الحصاد، ويفصل القمح إلى المخزن، والتبن إلى النار. الآن يعيش الأبرار مع الأشرار، والمؤمنون مع غير المؤمنين، حتى يأتي يوم الرب العظيم الذي يقوم بنفسه بالتذرية. يمسك رفشه في يده ولا يسلّمه لآخر، فإنه وحده العارف القلوب والقادر أن يفصل الحنطة من التبن بحكمة دون أن يخطئ.
يطمئننا القدّيس أغسطينوس أنه وإن وُجدت الحنطة مختلطة بالتبن هنا، لكن هذا لن يؤذي الحنطة ولا يفقدها إكليلها، فسيأتي الوقت لعزلها عن التبن حيث يحرق التبن في النار: [هذا التبن لا يُهلك من هم حنطة الرب، والذين هم قليلون إن قورنوا بالآخرين، لكنهم هم جمع عظيم. لا يهلك مختارو الله الذين يُجمعون من أقاصي العالم، من أربعة رياح، من أقصى السماء إلى أقصاها (مت 24: 31). ويصرخ المختارون قائلين: "خلِّص يا رب، لأنه قد انقرض التقي، لأنه قد انقطع الأمناء من بني البشر" (مز 12: 1). فيقول لهم الرب: "من يصبر إلى المنتهى (حيث يُقيد الشرّ) فهذا يخلُص" (مت24: 13).]
3. عماد المسيح
"حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه.
ولكن يوحنا منعه قائلاً:
أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ.
فأجاب يسوع وقال له: اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمِّل كل برّ.
حينئذ سمح له.
فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء.
وإذ السماوات قد انفتحت له،
فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتيًا عليه.
وصوت من السماوات، قائلاً:
هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" [13-17].
تحتفل الكنيسة بعيد عماد المسيح بكونه عيد الظهور الإلهي، حيث أعلن الثالوث القدّوس ذاته فيه. فإن كان عند نهر الأردن جاء كثيرون معترفين بخطاياهم، فإنه بدخول السيّد إلى المياه انكشفت حقيقته أنه أحد الثالوث القدّوس. دخل بين الخطاة لينكشف، فندرك أسراره، لا لمجرّد المعرفة العقليّة، وإنما لنختبر عمله الفائق فينا.
يتحدّث القدّيس أغسطينوس عن ظهور الثالوث القدّوس في العماد، قائلاً: [بجوار نهر الأردن ننظر ونتأمّل كما في منظر إلهي موضوع أمامنا. لقد أعلن لنا إلهنا نفسه بكونه الثالوث. جاء يسوع اعتمد بواسطة يوحنا، الرب بواسطة العبد، مثالاً للتواضع. أظهر لنا في تواضع أن المحبّة قد كملت. وعندما قال له يوحنا: "أنا محتاج أن اعتمد منك، وأنت تأتي إليّ. أجاب: اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل برّ" [14-15].
عندما انفتحت السماوات ونزل الروح القدس في شكل حمامة، تبعه صوت من السماء، قائلاً: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" [17]. إذن هنا أمامنا الثالوث متمايزًا، الواحد عن الآخر: الآب في الصوت، الابن في الإنسان، والروح القدس في شكل حمامة. إنهم الله الواحد، ومع ذلك فإن الابن غير الآب، والآب غير الابن، والروح القدس ليس بالآب ولا بالابن. نحن نعلم أن هذا الثالوث الذي لا يُنطق به، يسكن في ذاته، يجدّد الكل، يخلق، يدعو، يدين ويخلّص، هذا الثالوث هو كما نعلم لا يُنطق به وغير منفصل.
نستطيع أن ندرك مدى اهتمام الكنيسة بالمعموديّة من كلمات القدّيس جيروم: [لم يكرز المخلّص نفسه بملكوت السماوات إلاّ بعد تقديسه الأردن بتغطيسه في العماد.]
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى